قضمت أكثر مما تستطيع مضغه..  اتكاسة أرمينيا

  22 نفومبر 2020    قرأ 593
  قضمت أكثر مما تستطيع مضغه..    اتكاسة أرمينيا

منذ اندلاع الحرب الأرمينية الأذربيجانية مرة أخرى في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، عانت أرمينيا من انتكاسات عسكرية كبيرة على يد القوات الأذربيجانية.

ومن الواضح أن الضرر طويل الأمد الناجم عن تلك الحرب وحسابات أرمينيا الخاطئة، بات يتعدى الضرر المادي ليصل إلى تحطم فكرة تفوق أرمينيا العسكري وعودة شعورها بالعزلة.

 

جاء ذلك في تحليل لسفانتي إي كورنيل مدير معهد آسيا الوسطى والقوقاز التابع لمجلس السياسة الخارجية الأمريكي، نشر أخيرا في مجلة "ذا ناشينال انترست" الأمريكية (نصف شهرية).

وفي 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، أطلق الجيش الأذربيجاني عملية في إقليم "قره باغ" المحتل، ردا على هجوم أرميني استهدف مناطق مدنية، وتمكن إثرها من استعادة السيطرة على 5 مدن، آخرها شوشة، و3 بلدات وأكثر من 200 قرية، فضلا عن تلال استراتيجية.

وفي 10 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، توصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق ينص على وقف إطلاق النار في "قره باغ"، مع بقاء قوات البلدين متمركزة في مناطق سيطرتها الحالية.

فيما اعتبر الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، الاتفاق بمثابة نصر لبلاده، مؤكدا أن الانتصارات التي حققها الجيش أجبرت رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، على قبول الاتفاق مكرها.

** حسابات خاطئة

ورأى كورنيل، أن أرمينيا لم تخسر فقط معظم الأراضي التي احتلتها في العام 1993 والتي كانت مأهولة بالسكان الأذربيجانيين فحسب، بل يبدو أنها "قد فوجئت" وهو أمر محير بشكل خاص نظرا لخطابها العدائي المتزايد ضد أذربيجان في السنوات العديدة الماضية.

وتساءل كورنيل "لماذا لم يسر الصراع على النهج الذي تخيله قادة أرمينيا" ؟؟.

واعتبر أن السبب يكمن في "سلسلة من الحسابات الخاطئة الخطيرة (لأرمينيا)".

وقال كورنيل، إن القيادة الأرمينية أساءت قراءة كل شيء تقريبًا حول هذا الصراع من حيث البيئة الدولية الواسعة، والاستجابة الروسية، ودور تركيا في الصراع ، فضلاً عن الديناميكيات المحلية لخصمها أذربيجان.

وأشار إلى أن "المفارقة العميقة" التي دائما ما تبرز خلال الصراع بين أرمينيا وأذربيجان هي أنه "بينما تضم أرمينيا ثلث سكان أذربيجان، وتفتقر إلى الموارد الطبيعية والموقع الجغرافي السياسي الرئيس، إلا أنها فازت بالحرب في أوائل التسعينيات.

واعتبر كورنيل، أن ذلك كان يرجع إلى حد كبير، إلى عاملين وهما الاضطرابات الداخلية في أذربيجان، والدعم الروسي.

وتابع أن هذين العاملين ساعدا أرمينيا في السيطرة على ناغورني قره باغ، بالإضافة إلى مناطق أخرى تضم ما يقرب من 750 ألف أذربيجاني أجبروا على الفرار، كما منحا أرمينيا أساس الشعور بالتفوق العسكري الذي استمر حتى الشهر الماضي.

لكن دبلوماسياً سرعان ما اتضح أن أرمينيا قضمت أكثر مما تستطيع مضغه، على حد وصف كورنيل.

وأردف "بسبب التاريخ المأساوي لشعب أرمينيا، استفادت الأخيرة من حسن النية للمجتمع الدولي، لكن التقدم الإقليمي في يريفان، والتطهير العرقي للأذربيجانيين في 1993-1994 غير هذا التصور".

ومضى كورنيل قائلا: "بحلول عام 1996، أظهرت قرارات المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، أن كل دول العالم تؤيد عودة جميع الأراضي المحتلة إلى أذربيجان وحل النزاع الذي من شأنه أن يمنح أرمن ناغورني قره باغ الحكم الذاتي، دون الحصول على الاستقلال التام".

غير أنه في المقابل لفت إلى أن الحجم الهائل للأراضي التي احتلتها أرمينيا كان كفيلا بألا تتصالح قيادة أذربيجان ولا شعبها.

واستدرك كورنيل بالقول: "بدلا من المصالحة نشأ في أذربيجان شعورا قويا بالرغبة بالانتقام من أرمينيا".

وأضاف "استثمرت باكو (عاصمة أذربيجان) جزءًا كبيرًا من عائدات البلاد النفطية في تمويل جيشها"، لافتا أنّ سياسة أذربيجان "جعلت هناك تفاوتا متزايدا بين البلدين".

وفي مقابل السياسة التي اتبعتها باكو، بحسب كورنيل، ردت أرمينيا بتعميق اعتمادها العسكري على روسيا، التي رأت أنها ضامنة لتقدمها العسكري وفق كورنيل.

ورأى كورنيل، أن أرمينيا أقنعت نفسها لفترة بأن الوقت كان في الواقع إلى جانبها بعد الصدمة المزدوجة عام 2008 ـ الحرب في جورجيا والأزمة المالية العالمية – واعتمدت في رهانها على روسيا.

وأضاف: "أثبت الغرب أنه غير قادر على منع الهزيمة العسكرية لحبيبته في القوقاز جورجيا، وأدت الأزمة المالية إلى ابتعاد الغرب تدريجيا عن المنطقة".

وأوضح كورنيل، أن استقلال كوسوفو في العام نفسه (2008) خلق دولة ألبانية ثانية في البلقان، والتي اعتبرها الأرمن مماثلا لناغورني قره باغ، وتعززت آمالهم بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، والذي كان يتشابه مع ضم أرمينيا لناغورني قره باغ قبل عقدين من الزمن.

ونتيجة لذلك، وفق كورنيل، أصبحت أرمينيا تنظر إلى المفاوضات التي تقودها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بشأن الصراع بشكل أساسي، على أنها تكتيك للمماطلة، ولم تعد ترى أنه من الضروري تقديم تنازلات جادة مقابل السلام.

** بداية الانتكاسات

وأشار كورنيل، إلى أن تصاعد التوتر بين أرمينيا وأذربيجان في أبريل/ نيسان 2016 أدى إلى حرب مدتها "أربعة أيام" استعادت فيها أذربيجان لأول مرة منذ عام 1994، السيطرة على بعض الأراضي المحتلة.

والأهم من ذلك، وفق كورنيل، بينما تفاوضت موسكو على وقف إطلاق النار بعد بضعة أيام من اندلاع الحرب، لم تتدخل لوقف أو دحر تقدم أذربيجان.

ورأى كورنيل، أنه كان من المفترض أن يتسبب ذلك في دق أجراس الإنذار بصوت عالٍ في يريفان (عاصمة أرمينيا)، لكن الغريب أن موقف أرمينيا أصبح أكثر صلابة.

** شريك سلام في أرمينيا

وقال كورنيل، عندما تولى نيكول باشينيان السلطة في ربيع العام 2018 بعد "الثورة المخملية"، بدا لأول مرة أنه مستعد لاستئناف عملية السلام.

ومن الواضح أن النخبة الأذربيجانية، وفقا لكورنيل، رحبت بوصول باشينيان، وقال إن باكو "فوتت فرصة شن عمليات عسكرية أثناء الاضطرابات الداخلية في أرمينيا، على أمل الحصول على شريك من أجل السلام".

غير أنه اعتبر في تحليله، أنّ باشينيان الذي افتقر إلى الخبرة السياسية قبل أن يتم دفعه إلى موقع السلطة كزعيم لاحتجاجات الشوارع في عام 2018، فشل في فهم الجغرافيا السياسية لبلده ومنطقته.

وقال كورنيل، إن باشينيان تعرض أيضًا للتقويض المستمر من قبل القيادة السابقة لأرمينيا، والتي كانت بدورها متحالفة مع القيادة في قره باغ، وحافظت على علاقات مميزة مع موسكو.

وفي محاولة لفهم أسباب الانتكاسة العسكرية الأخيرة لأرمينيا، شدد كورنيل، على احتمالية أن يكون قادة أرمينيا قد فشلوا بشكل أساسي في رؤية أن روسيا "رغم كل صخبها هي قوة متدهورة عالميًا وإقليميًا".

وأضاف: "يبدو أن روسيا حتى الآن لا ترى فائدة تذكر من التدخل بشكل حاسم في هذه الحرب، ويبدو أنها تسعى إلى استخدام التوترات لإدخال قوات حفظ السلام الروسية في منطقة الصراع".

** عزلة واضحة

وكشف كورنيل عن "عزلة واضحة" تعيشها أرمينيا على عكس ما يظهر في خطابات قاداتها.

وأرجع هذا الوضع إلى فشل قادة أرمينيا في فهم التحول الداخلي في أذربيجان بقيادة إلهام علييف الذي قاد لسنوات عديدة حملة تطهير واسعة النطاق تسعى إلى جعل الدولة أكثر كفاءة.

وقال كورنيل، "كان إلهام علييف يحرر نفسه من أغلال النظام الذي تسلمه من أبيه (حيدر علييف) قبل 17 عامًا، ويبدو أن القادة الأرمينيين لم يفهموا أن نهجه الأكثر حزما سيؤثر على الصراع الذي لم يتم حله (بين البلدين)".

** دور تركيا

ونوه كورنيل، إلى دور تركيا في هذه القضية وتصريحات رئيسها رجب طيب أردوغان في فبراير/ شباط الماضي حين قال إن قره باغ "تهم تركيا بقدر ما تهم أذربيجان".

وأشار كورنيل، إلى أن قادة أرمينيا "فشلوا تمامًا في توقع التحول في موقف تركيا بشأن الصراع"، لافتا إلى أن خطوات أرمينيا هذا الصيف مثل تبنيهم (الدولة العثمانية) "معاهدة سيفر" سرعت من هذا التحول.

و"معاهدة سيفر"، جرت بين الدولة العثمانية والحلفاء في 10 أغسطس/آب 1920 عقب الحرب العالمية الأولى، وتسببت في تفكك الأولى.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.


مواضيع:


الأخبار الأخيرة